الصيام طبّ النفوس ، وغذاء الروح ، وزاد القلوب ، هو أُنس المتقين ، وحلاوة المهتدين ، وحياة الصالحين .
إن للصيام حلاوة ولذّة تَصُبّ من إيمان العبد بربّه وإخباته وخشوعه لله رب العالمين ، الصيام زينة عباد الله المؤمنين وصلاحهم وفلاحهم ، مَن صاموا ابتغاء وجه ربهم مؤمنين مُحتسِبين.
إن الصيام ـ وهو حبس النفس وملذّاتها ومحبوباتها ، هو في الحقيقة صلة وثيقة بالله عز وجل ، وقُربة حميدة لنيل رحمته وعفوه، وهو إيثار لمحبّته ومرضاته ـ سبحانه وتعالى ـ يطيب الصائم فيه ويتنعّم ، ويسعد ويتلذّذ ، وينشرح ويغنَم .
الصيام ظاهرهُ التعب والجوع ، والألم والمشقّة ، لكنه ـ في الحقيقة ـ جَنّة إيمانية مزهرة ، وروضة يانعة مخصبة ، يجني الصائمون منها لذائذ الإيمان ومنائر الخشوع وثمار التقوى ، الصيام محفوف بنورٍ يُدركه أهل الإيمان والقرآن ، وفيه حلاوة لا ينالها إلا أهله وأربابه مَن خالطَت بشاشةُ الإيمان قلوبهم ، وأشرقت معالم الهداية في نفوسهم ، هُم مَن سيَرث خزائن التقوى والرحمة .
إن الصيام لا يحلو بغير الله تعالى وقراءة القرآن ، لذا لابد له مما يُغذِّيه ويروّيه ، فلكي يحلو الصيام لابد من الذكر والقرآن ، ولكي يحيا لابد أن يكمل بالطاعة والإحسان ، ولكي يصفو لابد من صيانته من اللغو والآثام .
الصيام صِنوُ الذكر والقرآن ، لا يحلو ويحسُن ويزكو بمجرد الإمساك عن الطعام والشراب ، بل لابد من سقايته وتنميته وتربيته بالذكر والطاعة والخيرات .
إن صفوة الصائمين هم مَن يستغرِق رمضانَ في الذكر والعبادة وقراءة القرآن ، ويعتزل مجال اللغو والرفَث وفضول الكلام ، فلا يبدي إلا خيراً ، ولا يصنع إلا معروفاً ، عندها يسلم له صومه ، فينتفع به ويغتبط إذ تُخالط حلاوة الصيام روحه ودمه لما يلقي من حلاوة المناجاة ومنفعة الدعاء وبركة الذكر ، والعبادة ، فلا يستطيل يوم الصيام ولا يذوق مرارة الجوع ، وينسى التعب والنصب .
اطمأن الأخيار بالصيام وطابت نفوسهم به وسكنت إليه ، فورثوا السعادة والنور والتقوى إذ أن صيامهم مُلأ بالهدى والنور فأنارَ لهم دروب حياتهم ، وبلّغهم محبة ربهم ورضاه ، فحصّلوا ألوان السعادات في شدائد النفس والمشقّات قال بعض العارفين لقومٍ :"ما تعدّون العيش فيكم قالوا : الطعام والشراب ونحو ذلك ، فقال : إنما العيش ألا يبقى منك جارحة إلا وهي تجاذبك إلى طاعة الله ، مَن عاش مع الله طاب عيشه ، ومن عاش مع نفسه وهواه طال عيشه